اهتمام خاص

مادة اللغة العربية                              ذ/  ملاك 

                                               اهتمام خاص

      لكم أن تتصوروا مقدار فرحه العظيم والمدير يلقي على سمعه : « لقد اخترتك أنت من بقية الحراس لأمانتك وحسن سلوكك لتحتفظ بشيء عزيز على ابنتي»  ويترقب هو في لهفة هذه الأمانة العزيزة على ابنة المدير ليحتضنها بين يديه ، وعيناه على أرض الحجرة لا ترتفعان لئلا تزعجا سيادته، الذي أضاف في شيء من السرور: « إن ابنتي ستسافر معي في عطلة رأس السنة، ولا بد من أحد ليقوم بخدمة كلبها الصغير، حيث إن ذلك يتطلب مصاريف فإنني خصصت لك عشرة دراهم كل يوم، إذ ستقدم له في كل وجبة ... » وعدد له أنواع المأكولات الأثيرة عند الكلب الصغير. «  ما أسعدني إذ أصبح محط اهتمام سيدي المدير». أخذ يردد هذه الجملة في داخله وهو يوصي نفسه ، فهو سيجعل الكلب يأكل من عينيه إن أمكن، وسيحتفظ به كــأبنـائــــه أو أكثر  

            وعندما وصل البيت القصديري ، وزف إلى زوجته الخبر استبشرت خيرا وهي تسمع أنواع المأكولات التي ستدخل مسكنها. يا للصغار عندما يشاهدون بأم أعينهم أنواع الأطعمة.. ولعلها أضمرت في نفسها : « إنهم لن يكتفوا برؤيتها فقط: بل سأجعلهم يذوقون طعمها أيضا » والتف الصغار بأمهم والكلب بين يديها... وأخذ الكلب الصغير يتعلق بأذيال الصغار يجري مــن و رائهم وهم أمامه يخرجون إلى الشارع، والأب يتبعهم في خوف شديد وهو يصيح: « أرجعوه إلى البيت، هيا لا تتركوه يضيع» ودار دورتين أمام  المسكن القصديري  قبل أن يدخلوا ، ولكن الأم طمأنته من أن الكلاب تتعرف بسرعة على الصغار، ولا ضير عليه إذا ما هم لاعبوه، إذ سيجوع كثيرا وبذلك يأكل جيدا. وتهلل وجه الأب لفكرة زوجته فمعها حق في ذلك ، وسيكون اختيار المدير صادف المكان اللائق به، ولربما زاد في راتبه الذي لايتعدى خمسة دراهم في اليوم .

           ولكم أن تتصورا الأسرة وهي تحيط بالكلب الأسود، والصغار من حوله يجمعون الفتات الذي يتساقط منه وهم ينتظرون الوجبة ليختطفوا ما تبقى منها، وحتى الأب والأم يسمحان باختلاس بعض الطعام وهما يبتسمان للصغار. ولكن الأمور لم تسر على هذه الحال.لا. لم يكن انتهاء العطلة هو السبب في ذلك، بل اختفاء الكلب الأسود بصورة مفاجئة.

          ولكم أن تتصوروا شدة البحث عنه التي جعلت  ( الدوار) يقلب رأسا على عقب، وحيث إنه يوجد في كل مكان من يهتم بالسخرية وبالنكات، فإن صاحبنا لم يسلم من لدغات هؤلاء: «الكلب، ها الكلب »  والنتيجة الحتمية هي أن صاحبنا طرد من عمله مع توبيخ وشتم، ولكم أن تتصوروا، في نهاية الأمر، رغبته عندما تستمعون إليه وهو يردد كل يوم: «  ليتني كنت كلبا عند ابنة المدير »

ابراهيم بوعلو: السقف ( مجموعة قصصية)

.  منشورات أقلام. ص:  37    بتصرف  ()