الأستاذ : المصطفى ملاك
البعـد الإنـسـاني والـتـاريخـي
فـي الــريح الـــشـتـــويـــــة
للكاتب: ربيع مبارك
تقديم الكتاب:
عبارة عن رواية تحاول خلق تآلف بين الواقعي والمتخيل ، بين الموضوع التاريخي والروائي بآليات سردية وحوارية . فهذه الرواية تحاول أن تؤسس واقعا اجتماعيا في فضاءين متناقضين : القرية والمدينة . وعلى هذه المساحة الجغرافية، تتحرك جملة من الشخصيات متعددة الأبعاد النفسية والاجتماعية والتاريخية. كما أنها ذات أصوات متعددة. وحين احتفى ربيع بموضوعات وطنية و اجتماعية و تاريخية، لم يجد بدا من التوسل بأدوات فنية تقليدية مثل اللغة العامية والوصفية الروبورتاجية مع توظيف الحكاية المبنية على الكم السردي وعمليات الاسترجاع. هذه الآليات الفنية تضعنا أمام السؤال: إلى أي حد حافظ ربيع مبارك على الروح الإبداعية المطلوبة في العمل الروائي ؟ هل يراهن على عملية التأريخ أم أنه سقط بغير وعي في الكتابة التاريخية ؟ و بعبارة أكثر وضوحا، يمكن أن نطرح هذا الإشكال القضوي: هل الريح الشتوية بمثابة إعادة القراءة لفترة تاريخية وسمت بالجهالة والاستعمار؟ أم أنها تهدف إلى تصحيح مفاهيم معينة أو انتقاد مواقف مخصوصة من خلال شخصيات ومواقف روائية وعوالم غرائبية؟ هذه الأسئلة وغيرها تدعونا إلى التفكير في مجموعة عناصر: الحدث / الموضوع / طبيعة الشخصيات / نوعية اللغة في شقيها الوصفي و الحكائي / تعددية الأصوات / تعددية الأساليب اللغوية المرتبطة بنوعية وثقافة ومرجعية الشخصية / قواعد الحوار / الرؤية السردية / لغة النسيج السردي / لعبة القوى الفاعلة.
الحدث الأساسي في الرواية:
اضطرار العربي الحمدوني إلى هجرة قريته ثم نزوحه إلى مدينة الدار البيضاء، حيث سيرتبط بعلاقات جديدة ويستسلم لسلوكات غريبة في السوق والعمل والسكن . وخلال هذا المخاض، تبقى الأرض محمولة في الذاكرة، و يضيع العربي بين الأمل في العودة إلى الأهل والقرية و العجز واليأس، إلى أن يموت بطريقة مجانية وتموت معه فكرة الأرض.
وضعية الحدث الروائي
تواجد شخصيات مختلفة من حيث مرجعيتها الفكرية ووظائفها وحالاتها الشعورية و درجة أفعالها . كما أنها تمثل فئات اجتماعية متباينة تعاني إكراهات متعددة و تصارع من أجل البقاء في ظرفية تاريخية حرجة " وتتحرك تحت كل سقف وغطاء عيون تعودت نوما غير منتظم لنسوة ورجال تلبية لهذا النفير أو ذاك. فترش وجوهها بالماء وتركض في الأزقة منحدرة صوب المحيط، حيث تغيب في معامل السمك، وفي غبطة تعلن عن نفسها رغم الكبت والكتمان" ص100.
وضعية الحدث التاريخ
وجود أحداث تاريخية مشروطة بعلاقات اجتماعية وفكرية واقتصادية . إذ يطرح ربيع قضية الأرض وحقوق الفلاح والعامل . إضافة إلى ميزان القوة المختل بين قوة استعمارية وزمرة من الأهالي السذج. غير أن الكاتب يتقصد إعطاء أربع صور ذات أبعاد ورموز تاريخية هي:
* صورة المواجهة الأولى في القرية مع الاستعمار( علي الجليد + عباس + سعيد+ المزابي)
* صورة الهجرة نحو المدينة بشكل هروبي قسري، حيث أزمة السكن والعمل والعبودية
* صورة الوعي الناضج في المسجد والمعمل والحي والحلقة ( كبور+ سي عبد الفتاح + حمو النجار+ جلول)
* صورة المواجهة المسلحة في الملعب والمقبرة.
الموضوع البؤري في الرواية
ميلاد صراع تاريخي بين كينونة بشرية تريد أن تمارس حقها في البقاء على أرضها وبين سلطة دخيلة لها نفوذ مادي وتقني وعسكري. وهذا اللا توازن سيتحول مع الحاجة والقهر الاقتصادي والنضج الوطني إلى مقاومة شعبية منظمة،حيث سيتآزر العامل والفلاح والحرفي والعالم والفقيه والمرأة في خندق المواجهة.
ومن خلال المعطيات أعلاه، يمكن توضيح الصورة العامة للرواية في الخطاطة التالية:
الــــــــــــريــــــــــــــــــح الــــــــشـــتــــــــــــــويـــة
القسم الأول تداخل وضعيان حدثية روائية و أخرى تاريخية القسم الثاني
وجود بطل محوري يشكل بؤرة الأحداث وجود فضاءات مكانية
وهو نموذج لشخصيات قروية ضاعت بين لها أبعاد تاريخية و حالات
إكراهات الواقع والأمل السراب. شعورية إنسانية
العربـــي الحمــــدونـــــي
* صورته قبل الهجرة القسرية
* حالته النفسية و الاجتماعية في الكريان انخراط المرأة بداية مرحلة
* صورة السذاجة و الاستعباد في المخاض اليومي الكفاح الوطني
* أحادية المبادرة وضيق الرؤية * شمولية الرؤية والشراكة في القرار
* فكر أنوي ونظرة رومانسية * فكر جمعي يؤمن بوحدة المصير
إلى الأرض و ينظر إلى الأرض في بعدها الوطني
يلاحظ إذن أن هذه الرواية قد طرحت أبعادا إنسانية و تاريخية متشابكة. و هذا التداخل بين حالات إنسانية ممزقة ووقائع تاريخية مصيرية، طرح ثنائية البطولة الفردية المجسدة في العربي و البطولة الجماعية التي تأسست على واقع ديني – نقابي- شعبي- تعليمي- سياسي. وقد تجلت المواقف الجماعية في الاضطراب و الاعتصامات و رفع شعار العصيان و توزيع المنشورات .
و من أجل فهم الصورة أكثر، يحسن بنا أن نعيد ترتيب محتويات المحكي على الشكل التالي:
القسم الأول: من ص 7 إلى ص 185
1) أسباب هجرة الأهالي نحو المدينة ص 31
2) أسباب هروب الثلاثي : سعيد + علي الجليد + عباس ص 34/38/41
3) سبب هروب العربي الحمدوني ص 12/13/120
4) صورة الحمدوني قبل الهجرة: فضاء القرية حيث الكرامة و العزة. ص 13/15
5) صورة الحمدوني بعد الهجرة: فضاء المدينة حيث الإهانة و الدونية. ص27/28/30/40/46/48/49/
6) لجوء العربي إلى العدالة لاسترجاع الأرض ص 110/113
7) اكتشافه لعملية التزوير في الوثائق ص : 114/415/121---125
8) رفضه للتعويض في مقابل تشبثه بالأرض ص : 125/127
9) موت العربي الحمدوني في المعمل .ص : 175/177/179
القسم الثاني . من ص 187 إلى319
1) دخول صفية الأرملة عالم الشغل في معمل السمك ص: 188/189
2) ظهور مشاكل مادية وأخلاقية في حية صفية: أ/ تدخل عائشة العرجاء في علاقة غير
غير شرعية بين ابنة أخته خد وج وبابا علي. ص208/209
ب/ استغلال سعيد لابنة أخته خد وج في التهريب بتواطؤ مع زوجته كلثوم. ص: 225/226/227/228
3) ميلاد الوعي الوطني بنوايا الاستعمار * الحلقة/ 229-230
* المسجد/232
* المدرسة/237
4) طبيعة السياسة الاستعمارية: - التهديد. ص 250/251/288
- إحراق البراريك. ص 277/281/288
- مطاردة الوطنيين. ص 271/289/313
- حملات التفتيش الليلية. ص 318
- تفريخ الأعوان والخونة. ص256/257/293/295/296
5) التعاضد الوطني في مواجهة الاستعمار. ص : 313/316
إن المؤلف ينتمي إلى الكتابة السردية المغلفة بإشارات تاريخية . وهكذا يصبح الفضاء الزمكاني ذا خصوصية مرتبطة بفترة حرجة من تاريخ أمة. ولعل مرجعية الشخصيات المتحركة في الفضاء الروائي
( كبور- أحمد المزابي- حمو النجار- جلول- سي عبد الفتاح- العرجاء- الغالية – كلثوم- صفية- فاطنة- --) تؤكد هذا التوجه التاريخي ، رغم أنها تبقى في آخر الأمر شخصيات ورقية.
تجليات البعد التاريخي
سنحاول تبيان نوعية العلاقة بين المعطى الروائي و وبعض الإشارات التاريخية التي متح ربيع مبارك مادتها من جملة من الثوابت التاريخية. و هكذا سنشير إلى ثلاثة عناصر أساسية:
v عنصر الفضاء الجغرافي المشحون بالدلالات التاريخية
v عنصر الوعي الوطني والديني في الرواية
v حضور المرأة في الشأن الوطني
" فالريح الشتوية" تؤسس من خلال تيمة ا لهجرة ذلك الطابع الشبه – الواقعي رغم عنصر التخيل الذي يبنيه الفعل السردي. إذ أن الراوي يحول السرد إلى لوحات مشهدية يربط فيها الحدث بالصورة و الحركة السمعية و المرئية مع استغلال عنصر التشكيل في بناء جزئيات الصورة . (أنظر ملحق رقم( 3). وتتضح هذه الصورة أكثر عندما يتحدث الراوي عن حالة الأهالي في البراريك مثلا. حيث جاء في ص 14 "أما هنا فشمل المهجرين موزع في براريك لا يحد مساحتها البصر ، تتساوى فيها أقدار الناس ومصائرهم ، كل منهم ينصهر في الأفران أو صهاريج الأسماك المملحة ، وكل منهم ضاعت أرضه"
- I. الفضاء الجغرافي - التاريخي
رغم تعدد الأمكنة والأزمنة سنركز على ما له علاقة مباشرة بالبعد التاريخي . بحيث أن هناك مستويين :
* مستوى الفضاء المكاني: القرية / المدينة
* مستوى الفضاء الزمني: زمن التذكر/ زمن الحماية/ زمن القرية/ زمن الهجرة / زمن المقاومة.
فالقرية تمثل الارتباط الحميمي بالأرض ص: 48/49. كما أنها تعتبر أس المواجهة الأولى مع المستعمر. في حين تمثل المدينة المنفى القسري و الاغتراب .ص: 49 . وبين هذه الثنائية، يقع التصدع النفسي بسبب الإحساس بالضياع والبعد عن الأهل و انفلات الأرض من الأهالي. " وتتابعت أمام عيني العربي شتى الصور نابضة بالحياة . يخرج من بلده يترك أرضه، ومواشيه، وكلابه، يترك علاقاته وأهله ، دائنيه ومدينيه، وعوده ، ومشاريعه، ليحاول أن يولد من جديد " أما هذه الولادة فستكون في المدينة . ولادة موبوءة يصطدم فيها العربي ب:
ü أوكار الدعارة ص:72/146/211
ü مظاهر الاحتيال اللصوصية ص: 61/66/71
ü أشكال التهريب ص: 227 + تعدد صور الفقر ص: 100/102
لقد لجأ ربيع إلى الوصف التعريفي والشارح لأوضاع القرية والمدينة . فالأولى تمثل فضاء الأهالي الذين عانوا من مضاعفات الهجرة ، و التي بدت أشبه برحلة جحيمية إلى مجتمع المدينة الغرائبي الموبوء و الحابل بصور التهميش الاجتماعي.
ويلاحظ إصرار الكاتب كذلك على العلاقة بين الزمن في بعده الروائي ، والزمن في بعده التاريخي. حيث يصور طريقة تعامل النصارى مع الأهالي في المعامل والأحياء81/92/272 . ي إطار سياسة استعمارية صارمة لجأت إلى تناسل الأعوان والخونة ( سعيد+ الرحموني+ عمارة البياع ص: 256/290/295). إضافة إلى لعبة التجنيد الإجباري للشباب ص:243.
- II. مظاهر الوعي الوطني والديني في الرواية
ارتبط الوعي الوطني بالمعمل و المدرسة والأحياء الشعبية ص" 248/253/268/ . في حين ساهم المسجد و الحلقة في ربط الوعي الوطني بالديني ص" 230/232/236/266/. و هكذا تشكلت بوادر الكفاح الوطني بواسطة الأنا الجماعية . فقد توحدت المواقف وعلت المصلحة الوطنية على ما هو ذاتي. ويمكن رصد مظاهر هذا الوعي المزدوج في :
* التذمر من ظروف العمل
* المطالبة بتحسين الأجور و رفض مظاهر التمييز والراحة التي يتمتع بها الفرنسيون ص 245/
* خلق تجمعات عمالية في شكل نشاط نقابي " وبدا وفد العمال شديد الحماسة مرتفع الروح. إذ باستطاعتهم أن يوقفوا العمل كله بإشارة واحدة ." ص:247.
* الدعوة إلى الإضراب
* التكافل والتعاضد عن طريق جمع التبرعات للمطرودين. ص :248
فقد اتسعت دائرة الحماس الوطني ، وطرحت أسئلة كثيرة حول ضرورة تعليم الأهالي مباديء القراءة والمقاومة 237/238. وهكذا أنشئت مدرسة بإمكانيات بسيطة، لكنها ذات وظائف كبيرة:
q تعليم الصغار الأناشيد الوطنية و إلقاء الخطب 237
q إدماج الكبار في الحماس الوطني
q كتابة المنشورات و توزيعها 236
q زرع روح التنظيم واقتسام الأدوار238
وقد عبر ربيع عن هذه المهمة النبيلة للمدرسة بقوله في ص : 253 " وسادهم الصمت فترة ، وهم يتهجون الحروف بأعينهم وألسنتهم ، ثم انطلقت حلوقهم تترنم بالعبارة المخطوطة حسب هواهم ،( المغرب لا يكون حليفا لمن ينكر حقه في الحرية و الاستقلال) متسابقين إلى اكتشاف المزيد من هذه الأوراق ملصقا بالأركان و الجدران ، و الأعمدة و أبواب الدكاكين المغلقة. "
آما الأحياء الشعبية فقد ردت على أعوان السلطة بترديد كلمات مناهضة للاستعمار أو بالتهديد ص : 256. إضافة إلى تناوبهم على شرح مضمون المنشورات و تكوين لجن مكلفة بالتنظيم و الاتصال و ترتيب الاجتماعات داخل البيوت و البراريك. ص : 238. ناهيك عن الاعتصامات وحمل السلاح270/313.
ولا ننسى الجانب الديني ودوره في إذكاء الروح الوطنية . حيث كان المسجد فضاء رحبا يفتح إمكانية التجمع و الخطابة : " إثارة عقول الناس من غفوتها و توحيد قوتهم لعمل جليل و تنبيههم إلى ما يدور حولهم من تدجيل ، وإلى المستغلين والمرتزقين بالدين و مساعدي الاستعمار " ص : 232. وقد تجاوز المسجد مهمة الفتاوى إلى شرعنة المقاومة و دفع الأهالي إلى فضول التساؤل عن التاريخ والهوية والوطن والعلم و الدين و الدنيا.
هذا التحول سيحقق موقفا جماعيا من الأرض على عكس ما فعل العربي الحمدوني والمذكوري. فالأول عاقبه ربيع بذلك الموت المجاني ، بينما الثاني أصيب بالحمق. فحين يتعلق الأمر بالأرض ، فلا مكان لفكرة الأنا والفردانية المغرقة في المصلحة الأحادية ، مهما تزايدت عوامل اليأس و الإحباط. وهكذا تطرح إشكالية الأرض بين ضيق الرؤية الفردية و أفق التفكير الجماعي. و الملاحظ أن الكاتب حاول قراءة هذه الفترة التاريخية من زاوية إعادة تصحيح بعض المفاهيم . مثل الإشارة إلى دور الشرائح الفقيرة في المطالبة بالاستقلال. وكأن ربيع يريد بذلك التأكيد على أن الوطنية يتداخل فيها ما هو فطري و ثقافي و طبيعي بغض النظر عن ذلك التمايز الطبقي . فالوطن ملك للجميع و مسؤولية الجميع ، كل حسب طاقته المادية و المعنوية و قناعاته النفسية . ثم إن اجتماع الكفاح السياسي التنظيمي و الشعبي المسلح قد تكاملا بشكل تلقائي. كما بقية الأرض هي تلك اللحمة المصيرية التي وحدت الكل في إطار جمعي ذابت فيه المصالح وحضرت التضحية بكل عفوية و إخلاص نادرين.
- III. دور المرأة في الكفاح الوطني
وقد أشاد ربيع بالدور النسوي من خلال مشركة المرأة في قضية الأرض كفكرة و وطن و هوية من خلال مواقف كل من صفية و الغالية وحدوم . لأنهن تجاوزن هموم الواقع المعيش إلى الانخراط في الهم الجماعي. عكس دنك الطرف النسوي السلبي الذي مثلته عائشة العرجاء وكلثوم . ويمكن الحديث عن المرأة من خلال الخطاطة التالية:
طبيعة حضور المرأة في الشأن الوطني
علاقتها بالحدث الروائي علاقتها بالحدث التاريخي نموذج للطموح المنكسر
طريقة تعاملها مع الواقع طريقة اندماجها مع الوضع طريقة تجاوزهمومها
تعايش قسري فهم الحاجة الفكر النضالي القلق حول المستقبل
وعفة 212 التاريخية208 والتضحية 208 الوطني 216/217
إن صفية قد عبرت عن تلك الطهارة النفسية من خلال رفضها لسلوك العرجاء وتجنبها المستمر لأخيها سعيد الذي استبدل البطولة بالخيانة ، و خاصة طريقة و رد فعلها عندما اكتشفت تلك العلاقة المشبوهة بين خدوج و بابا علي بوساطة العرجاء. إضافة إلى انخراطها في السانديكا. أما الغالية ،زوجة كبور فكانت مثالا للإخلاص و الصبر وتحمل المضايقات من أعوان السلطة. ص: 318.
تجليات العد الإنساني في الرواية
إذا تأملنا القوى الفاعلة الآدمية ، نجد هناك أبعادا إنسانية، تجلت في ردود الأفعال النفسية و الحوارات الداخلية . ويبقى العرب الحمدوني نموذجا جليا لذلك. فهو يعاني من الإحساس بالدونية و الانشطار بين الرغبة في الانتقام و الشعور بالعجز . كما أن لعنة الأرض تطارده باستمرار. ومن خلال نظرة سريعة في المتن الحكائي،نصطدم بمصطلحات ذات بعد نفسي واجتماعي عميقين:
ü خفق قلبه ص15
ü نظرته مستكينة ص54
ü أحس بنصال حادة تغوص في جنبيه ص55
ü شعر بالتهدم و الانكسار ص151
ü لا يدري كيف رمى بنفسه أو رمت به الأقدار ص153
هذه الجمل و غيرها ذات البعد النفسي، تعلن عن وضعية إنسانية ضائعة يضنيها التفكير الدائم في الفردوس المفقود و الواقع المتردي الذي يحاصرها. وقد حاول الكاتب أن يصف العربي الحمدوني بتقنيات الوصف الثابت و المتحرك ، المباشر و الرمزي ، التقريري و التصويري حتى يمارس على هذه الشخصية نوعا من السادية إن صح التعبير. فالملامح و الصفات الداخلية ص : 12/143 بمثابة قراءة تراجيدية واضحة. ويكفي أن نمثل لذلك ببعض الأمثلة من داخل الرواية. يصف ربيع العربي الحمدوني قائلا: " لم لم يكن رجلا كما يعهد في نفسه فيعود إلى القرية متسللا و ينتقم من أعدائه: الشيخ و الحاكم و النصراني و القائد و الأعوان أو يستشهد كالأبطال؟ " ص:12. وهذه الفقرة عبارة عن حوار داخلي تعمد ربيع مبارك أن يعذب به شخصيته. ونجد في ص: 76: " مشاعره غريبة هذا المساء، لا ينكر ذلك و لكنه لا يفهمه . حقا إنه منذ سنوات قليلة ، منذ ارتحل عن بلدته وهو يعاني من مثل هذه المشاعر، كلما آن وقت المحصول. "
خــــلاصــــــــــة
إن رواية " الريح الشتوية" قد ساهمت في التأريخ لفترة الحماية ولكن من زاوية إبداعية فنية . فهي و إن سقطت أحيانا في ذلك الكم السردي المباشر إلى حد التقريرية أحيانا ، إلا أنها لم تسقط في ذلك التقرير الفج . و هي إن وظفت الجانب الخيالي الذي يفرضه الإبداع الروائي ، فإنها لم تهمل الوقائع و الأحداث. وبذلك ينجلي لنا ذلك الخيط الفاصل بين المؤرخ والروائي، بين التاريخ و الرواية. ثم إن الروائي حين يطرق موضوعا تاريخيا ، فإنه يرصد فترة معينة بعين المبدع الحريص على الأدبية و التشويق ، و الخالق لقوى فاعلة سواء كانت آدمية أو غير آدمية مغلفة بأدلجة أصواتية و مرجعيات نفسية و اجتماعية. و بذلك ، فإن بإمكان الفن الروائي أن يمتلك التاريخ و يمتصه و يقدمه بفنية تبعث على القلق والتساؤل بعيدا عن التقريرية .
0 التعليقات:
إرسال تعليق